لم يشرق على اليمنيين يوم عظيم كشروق صبح هذا اليوم، ولم يترك حدث أو موقف أو انتصار أثرًا في حياتهم كما ترك هذا، ولم يتجل في حياتهم شيء كما تجلى 26؛ كونه اليوم المنقذ الذي خلصهم من كابوس الإمامة الجاثم على وجودهم ومصيرهم وإرادتهم قرونًا مديدة وحقبًا مظلمة وسنوات طائلة من الغرق في مستنقع الجهل والظلم والاستعباد، فبفضل هذا اليوم تحرر اليمن، تحرر إنسانه وأرضه، تحررت وديانه وسهوله، تحررت جباله وقممه، تحرر تاريخه وهويته، وتناسلت أجيال حرة من رَحِمه تنهل من نعيمه، وتترعرع في آفاق خيراته ومآثره.
لا يضاهي عظمة هذا اليوم ومكانته في أعماق كل يمني شيء، ولا يرتقي مجد ولا نصر إلى مستواه مهما كان مبجلًا، ولا يحظى إنجاز ولا كسب ولا فخر في هوية اليمنيين كما يحظى به يوم الثورة السبتمبرية، الذي ارتبط عزهم ونصرهم ومعنى حياتهم به، ارتباط وثيق متين، ارتباط معنى ومبنى، واتصال نبض ومكانة وقيمة وعزة، واستشعار لنوره الذي سطع في كل زاوية ومنحدر يعيد بعث الحياة، وتزهر عطاياه بمستقبل مشرق ووجود مختلف، فيه تعليم وصحة وثقافة وفن وأدب وحرية وديمقراطية، وفيه استعادة للإنسانية وبناء لأجيال تمتلك إرادة وتحكمًا بحياتها وتواكب العالم في التحضر والتمدن والتعلم والبناء وهندسة الحاضر والمستقبل.
ولذا لم يكن التفريط واردًا في قاموس اليمني بعد بزوغ هذا النور، فقد قدمت قوافل من الشهداء، وسالت دماء كثيرة تثبت أعمدته، وتناطح خصومه، وكانت التضحية من أجله وعليه نهرًا متدفقًا لم ينضب منذ يومه الأول في 1962 وحتى اللحظة، على امتداد ستة عقود ونيف، قدم اليمنيون أرواحهم فداءً له، وظلوا حراسًا يقظين عليه، يذودون عن أهدافه وغاياته، ويجدون أن حياتهم بدونه لن تكون، فكانوا أبطالًا مغاوير، فرسانًا ميامين، أقيالًا يمانيين، بطولاتهم وتضحياتهم تملأ كتب التاريخ وتتخذ عبرة لكل جيل ليحمل على عاتقه راية الدفاع عن 26 سبتمبر، وبقاء رايته ترفرف في أفق كل مدينة وحي وقرية، كونها لحاف الحياة والحرية، وما دونها فناء وعبودية.
بقي هذا اليوم عظيمًا وخالدًا في حياة اليمنيين رغم أن أعدائه لم ينتهوا؛ لأن أنصاره ومحبيه أكثر من خصومه، لأن شعبًا باسره يرتبط وجوده ببقاء نبضه يدق في أعماقهم وبقاء نوره دليلًا يضيء لهم درب مصيرهم، فلا أحد يتنازل عن شرفه وكرامته إلا معتوه، فكان سبتمبر شرفنا الباقي، ومنبع حلمنا الساطع، لم تخفت قيمة هذا اليوم برهة طيلة ستة عقود، ولم يتخيل اليمنيون حياتهم بدونه، فهم صنيعته وعجينة فطرته التي جُبلوا أن يكونوا عليها يمانيين أحرارا، سبتمبريين جمهوريين ثوريين وطنيين مثقفين متعلمين مناضلين شامخين حتى الأبد.
وحين صحت الإمامة من سباتها الكئيب وأرادت العودة من جديد بدثار حوثي سلالي مقيت، وجدت مجتمعًا لا يتقبل ملامحها، ولا يطيق جبروتها، ولا يرضخ لدسائسها، وجدت شعبًا جلدًا يقارعها بشغف الإكبار والذود عن قاتلها السبتمبري وقاصم ظلمتها، وثب الشعب بكل أطيافه يناهز هذا الارتداد الرهيب للماضي والانتكاس المريع للحاضر، وتحول كل فرد إلى نصل حاد يبتر دبيبها، ويجتث تمددها، فعادت الملاحم تسطر من جديد، وتفتقت الجبهات في كل زاوية تصد هذا الكهنوت الكهل المنبعث من قعر الكهف، وتأبى إلا دحره، لقد تجلى السبتمبريون بأبهى حلة جمهورية، تغيرت سجية كل طفل وشيخ ومتعلم إلى فارس يخوض المعارك ويقود الجبهات ويحرر الأرض الجمهورية من دنس الإنقلاب الحوثي والإمامة الجديدة.
وهنا تبينت الحقيقة المطلقة أن 26 سبتمبر ليس يومًا ليس زمنًا، بل دمًا يسري في عروق كل يمني حر، ليس تاريخًا بل قلبًا نابضًا مخضبًا بالتضحية والشكيمة والبقاء، يستحيل الفصل بين هذا اليوم وبين الشعب، يستحيل انتزاع وجوده وملامحه ومظاهره من أغوار الحياة ونوافذ الرؤيا لدى شعب تماهى مع يوم ثورته وعظمة معناه وتناسل جيلًا بعد جيل كوجهين لليمن، وجهين للوطنية، ملمحين للهوية والمستقبل.
وحين تطل علينا ذكراه الثالثة والستون تحلق هامتنا في عنان الأفق، وتتصاعد أحلامنا حد النهاية، نجدد عهدنا له، وتتطهر مشاعرنا باستحضار أنواره، ويزداد إخلاصنا له حد الفناء، ليبقى هو سيفنا الذي نجز به رقاب الإمامة وخنجرنا الذي نغرسه في خاصرة كل سلالي مستبد، وشعلة النور التي تضيء ليلنا ونهارنا، والأمل الذي يبقي أحلامنا وأحاسيسنا يانعة في ظلال الحرية، لن ننكسر وهو سلاحنا ولن نستسلم وهو دستور وجودنا، ولن يخيب ظننا به مهما واجهنا من صعاب في سبيله..
لك المجد يا 26 سبتمبر، أنت الحياة والحلم، أنت النصر والانتصار، أنت القوة والعزة، أنت إكسير البقاء في كل أيامنا وأعمارنا وأعمار أبنائنا وأحفادنا إلى ما لا نهاية.
سياسي
26 سبتمبر، اليوم اليمني المجيد!
26 سبتمبر، اليوم اليمني المجيد!


د. علي عزيرئيس دائرة الاعلام والثقافة بحزب التضامن الوطني