ثقافة

الحاوري ظاهرة فنية وطنية استثنائية!

الحاوري ظاهرة فنية وطنية استثنائية!

الحاوري ظاهرة فنية وطنية استثنائية!
د. علي عزيرئيس دائرة الاعلام والثقافة بحزب التضامن الوطني

في خضم صراع اليمنيين ومقاومتهم للانقلاب الحوثي الإمامي الكهنوتي تعددت وسائل ردع خطابه الاستبدادي ومشروعه التدميري، لكن الحاوري برز كاستثناء، وثبت كنقش متجدد حفر شعبيته وتأثيره في ذاكرة الشعب بكل جدارة واحترافية وموهبة فذة في تقليد كل أصوات وأشكال ولغة ذلك العدو السلالي، بمختلف شخصياته ورموزه وأعلامه النشاز الذين يشكلون قرفًا مستفزًا لكل يمني.
لقد سلك الفنان الكوميدي الساخر محمد الحاوري ظاهرة مختلفة أظهرت التشوه الحوثي وسذاجة مشروعهم وقبح خطابهم لينصب هذا المبدع من نفسه الكاشف عن هرطقاتهم والمتهكم بجهلهم بشكل مستميت ومتجدد وبروح مصرة على الثقة بأن الدرب الفني أقرب الطرق للازداء وخلق تأثير مدو محبب لدى غالبية اليمنيين الذين يتابعون بشغف جديد الحاوري، ومدى براعته في تلبس أية شخصية وأي خطاب يجب نقده ومناوئة أفكاره.
بالطبع، لهذا الدور الذي ينجزه الحاوري دور فعال في تحقير وجودهم واستصغار مكانتهم في الذهنية اليمنية التي عملت عصابة الحوثي على محاولة ترسيخ قداستها وتبجيل مكانتها، لكن الحاوري يكسر ناموسها ويبين هشاشتها وتحويلها إلى مصدر للنبذ والنفور والاستهجان لدى المشاهد، حيث لم تقتصر مهمة الحاوري على الكوميديا الساخرة الهازئة، بل متخمة بتعرية ذلك الوباء الخبيث، وتتبع دهاليزه ومدارب تأثيره وأساليبه في التدليس والتزييف والخداع، وليس هذا بفعل متيسر متاح لكل فنان تأديته، لكن تظافرت في هذا النجم سمات وخصائص ممثل وطني مخلص للقضية والمبدأ والغاية الجمهورية، وموهبة فنية وملكة تقليدية مثالية جعلته قطبًا كوميديًا لا يشق له غبار، ولا يضاهيه فيه أحد.
المثير للدهشة في فن الحاوري سعيه المستمر على تجديد أسلوبه وتطوير قدراته واكتشاف سبل مختلفة لذلك التجديد، فقد أثار نمطه الأخير المتمثل في تقليد أصوات وأشكال معظم الفنانين العرب واليمنيين بكلمات غنائية تدين ذات العدو وتتهكم منه، وكأنه يعتبرها مواقفهم الرافضة للمليشيات الحوثية، ومحاولة لجذب انتباه المشاهد، واستغلال تلك الأسماء والشخصيات الفنية المحببة لدى الجماهير لإيصال رسائل لاذعة وخلق تفاعل معها في سياق تقويض الكهنوت على لسانها، وقد حظي هذا النمط باهتمام واسع واستيعاب ما يحويه من دلالات ومعان لها عظيم الأثر وعميق التأثير كأفضل آلية تجمع بين الكوميديا وخطابها اللاذع الفاضح لمجمل ملامح الإمامة التليدة ونسختها الوليدة.
لا أحد يتجاهل أهمية ما يقوم به الحاوري، أو يقلل من قيمته إلا من امتهن الاذلال وتعايش معه، أو من تغلب عليه الأمية الفنية والجهل بمدى قدرته على اختراق الوعي المتجمد وإعادة تحفيزه على استيعاب ما يدور حوله وفهم واقعه، فالتقليد التمثيلي مدرسة فنية أصيلة لها قيمة كبيرة في عالم الفن والكوميديا، وعبرها وبها تعالج كثير من القضايا وتدحض الأخطاء والإشكاليات العالقة في أي مكان، وقد قاد الحاوري من خلاله جبهة وطنية، وفعل مقاومة فعال تمكن من إحراز نصر مبين على خصمه وسحب البساط من تحت قبضته في ذهنية النخب والعوام ليصبح علامة مغايرة بين مختلف الأساليب الفنية والإعلامية والثقافية المتصدية للحوثي فكرة وسلوكًا، والمنتصرة لقيم الجمهورية والدولة على مظاهر الكهنوت والعصابات.
ومن هنا فقد أحدث الحاوري بفنه زلزالًا صاخبًا في الوعي الوطني، محاولًا سد كل الثقوب التي يعمل الكهنوت على تفخيخ الوعي من خلالها، وتشويه صورة الجمهورية وإهانة رموزها، لكن هذا العملاق تصدى له ببراعة وقوض آماله في الهيمنة على فكر اليمني وسلوكه، وجرجرته نحو محارقه، والتبجح بفجاجة خطابه الأرعن ولغته البلهاء، ولذا تتوازى سخرية الحاوري مع سخافة المشروع الحوثي الفارسي وتبطل مفعوله وتظهره هشًا سخيفًا لا ينتمي لليمن كوطن ولا لثقافة اليمن كهوية، وسيظل منبوذًا مهما طال الزمن ببقائه جاثمًا على روح شعب حر متمرد على القهر والإذلال.
والتجربة الكوميدية الحاورية مصدر زهو وتباه وفخر، كونها فعلت بالعدو ما لم يفعله أي سلاح، وحق علينا أن نشيد بها وأن نتعمق في تفاصيل دهشتها وشفرات غاياتها ومثالية عزيمتها المتجددة مع حدث وموقف، فقد صمدت لسنوات وجذبت الكثير من الاهتمام، وهذا يدل على عمق صاحبها وسعة إطلاعه وتعدد مواهبه ومدى انحيازه لقيم الحرية والكرامة واعتبارهما المصدر الأوحد لبقاء اليمن منتصرة قوية بإرادتها لن تترك شموخها ينداس على يد سلالة قذرة طفت إلى السطح على حين غرة وحقها البقاء في الحضيض، وقد قذفها الحاوري في قعر الانحطاط والتردي والهشاشة فله منا كل تقدير وامتنان وثناء على عطائه الذي لا ينضب ودهشته التي لن تتكرر.