في كل مرة تتجول فيها في شوارع الرياض، تشعر وكأنك تقرأ كتابًا مفتوحًا في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، فالمدينة لا تكتفي بأن تكون عاصمة حديثة تنبض بالحياة والحداثة، وإنما تحمل في تفاصيلها وفاءً راسخًا لجذورها وقيمها، يتجلى ذلك في تسمية شوارعها وأحيائها بأسماء الصحابة والتابعين والخلفاء الراشدين، وكأنك تسير في زمنهم، تعبر من اسم إلى آخر، ومن سيرة إلى سيرة، ومن موقف إلى موقف.
ما إن تدخل شارع أبي بكر الصديق حتى تجد نفسك أمام لوحة تشير إلى عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، فتمضي إلى علي بن أبي طالب، لتشعر أنك بين عظماء لا تزال آثارهم باقية في الطرقات والبيوت والذاكرة، وتستمر الرحلة بين خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن مسعود وبلال بن رباح، فتتحول الجولة اليومية إلى درسٍ صامت في الوفاء والشجاعة والإيمان.
الرياض لا تكتفي بنقل التاريخ عبر كتب المدارس أو المحاضرات، وإنما تُعَلِّم أبناءها وأهلها وزوارها من خلال أسماء الشوارع، حتى يتربّى الجيل الجديد على الاقتداء بأولئك الرجال العظام، ويتعلّم من سيرتهم وهم يذكرون أسماءهم في المراسلات، أو يكتبونها في العناوين، أو يمرون بها في طرقاتهم اليومية، إنك لا تعبر شارعًا فقط، أنت تعبر مرحلة من التاريخ، وتستنشق عبقًا من السيرة، وتسمع صدى المواقف الخالدة وهمسات البطولة.
ولا يقتصر هذا الوفاء على الصحابة والتابعين فحسب، هي لائحة تمتد الأسماء فيها لتشمل أعلام الأدب والشعر، وكأن الرياض تحتفي بالبيان العربي وروحه الخالدة، فتجد من بين شوارعها شارع جرير، والفرزدق، والأخطل، وعبد الحميد الكاتب، وغيرهم من رواد الكلمة والفكر، ممن أسهموا في صياغة الوجدان العربي والإسلامي، وهكذا تمزج الرياض بين الدين والثقافة، بين السيف والقلم، بين المسجد والديوان، فتجعل من ذاكرتها الجغرافية حافظةً أمينة لذاكرة الأمة.
في وقتٍ تتبدّل فيه أسماء الشوارع في كثير من مدن العالم لأسباب سياسية أو تجارية، تظل الرياض ثابتة في انتمائها، مخلصة لتراثها، وفية لرموزها، صامدة في وجه التغيرات العابرة، هي مدينة تحترم ماضيها بقدر ما تبني مستقبلها، فتجعل من أسماء شوارعها دروسًا صامتة في التاريخ والوفاء، ومناهج غير مكتوبة في التربية والانتماء، وكأنها تقول لكل من يسكنها أو يزورها: “هنا تسير على خطى العظماء، فكن جديرًا بالمكان، واحفظ الأثر”.
ثقافة
الرياض.. مدينة تسير على خُطى العظماء وتُخلِّد التاريخ في شوارعها.
الرياض.. مدينة تمشي على خُطى العظماء وتُخلِّد التاريخ في شوارعها.


د. علي عزيرئيس دائرة الاعلام والثقافة بحزب التضامن الوطني